في مدينة صغيرة تكسوها الغموض، تقع على أطراف غابة كثيفة تُعرف بـ"غابة الهمسات"، كانت جودي ساوذرن تُعتبر واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا وإثارة للجدل. كانت جودي امرأة في أواخر الثلاثينيات، ذات جمال أخّاذ وشخصية قوية، تجمع بين الأناقة والذكاء الحاد. كانت تملك متجرًا قديمًا لبيع الأنتيكات في وسط المدينة، لكن الجميع كانوا يعلمون أن هذا المتجر ليس سوى واجهة لأعمالها الحقيقية: جمع المعلومات وبيعها لمن يدفع أكثر. كانت جودي تُعرف بقدرتها على كشف أسرار الجميع
في ليلة من ليالي الخريف الباردة، حيث كان القمر مختبئًا خلف السحب السوداء، كانت جودي تجلس في مكتبها الخلفي داخل المتجر. الغرفة كانت مضاءة بضوء خافت من مصباح قديم يُصدر أصوات طقطقة خفيفة. على مكتبها، كانت هناك أوراق مبعثرة، وصور قديمة، وملفات تحمل أسماء شخصيات بارزة في المدينة. جودي كانت تُمسك بقلم في يدها، تكتب ملاحظاتها الأخيرة حول صفقة كبيرة كانت على وشك إتمامها. صفقة كانت تعتقد أنها ستغير حياتها إلى الأبد.
فجأة، سمعَتْ صوتًا خافتًا قادمًا من المتجر الأمامي. كان صوت خطوات خفيفة، كأن شخصًا ما يتحرك بحذر شديد. توقفت جودي عن الكتابة، وقلبها بدأ ينبض بسرعة. لم تكن تنتظر أحدًا في هذه الساعة المتأخرة. أغلقت دفترها بهدوء، وأخرجت مسدسًا صغيرًا من درج المكتب، ثم نهضت ببطء واتجهت نحو الباب.
"من هناك؟" سألت بصوت هادئ لكن حازم. لم يأتِها رد، لكن الصوت توقف فجأة. فتحت الباب ببطء، ونظرت إلى المتجر المظلم. الأرفف مليئة بالتحف القديمة، والظلال ترقص على الجدران بفعل الضوء الخافت المنبعث من الشارع. شعرت جودي بشيء غريب، كأن هناك عينين تراقبانها من الظلام.
جودي لم تكن امرأة عادية. قبل سنوات، كانت تعمل كمحققة خاصة، لكنها تركت تلك الحياة بعد أن تورطت في قضية كبيرة تسببت في مقتل أحد عملائها. انتقلت إلى هذه المدينة الصغيرة لتبدأ من جديد، لكن طبيعتها الفضولية قادتها إلى عالم أكثر خطورة. بدأت تجمع المعلومات عن الجميع: رجال الأعمال، السياسيين، وحتى العائلات العادية. كانت تعرف أسرار الجميع، وهذا ما جعلها هدفًا.
في تلك الليلة، كانت جودي على وشك بيع ملف خطير للغاية. الملف كان يحتوي على دلائل تُدين "إدوارد كلاين"، أحد أبرز رجال الأعمال في المدينة، في عمليات غسيل أموال وتهريب. لكن المشكلة أن هذا الملف لم يكن يُدين إدوارد فقط، بل كان يحتوي على أسماء أخرى، بما في ذلك "ليليان"، زوجة إدوارد، التي كانت على علاقة سرية مع "ماركوس"، وزير العدل في المدينة.
جودي كانت تعلم أن هذه المعلومات قد تُكلفها حياتها، لكنها كانت تعتقد أنها تستطيع السيطرة على الوضع. لكنها لم تكن تعلم أن هناك من كان يراقبها منذ أسابيع، ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض.
بينما كانت جودي تتفقد المتجر، سمعت صوتًا آخر، هذه المرة كان أقرب. التفتت بسرعة لترى ظلًا يتحرك خلف أحد الأرفف. "أعلم أنك هنا، أظهر نفسك!" صرخت جودي، وهي تُمسك المسدس بكلتا يديها. لكن الرد جاء على شكل ضحكة خافتة، ضحكة مليئة بالسخرية.
"جودي، جودي... كنتِ دائمًا فضولية أكثر من اللازم، أليس كذلك؟" قال صوت رجالي عميق من الظلام. خرج رجل طويل القامة من خلف الرف، كان يرتدي معطفًا أسود طويلًا وقبعة تخفي جزءًا من وجهه. لكن جودي عرفته على الفور: كان إدوارد كلاين.
"إدوارد... كيف دخلت إلى هنا؟" سألت جودي، وهي تحاول الحفاظ على هدوئها. لكن يدها التي تمسك المسدس كانت ترتجف قليلًا.
"لديّ مفاتيح لكل الأبواب، جودي. أنتِ تعلمين ذلك. لكن السؤال الحقيقي هو: لماذا قررتِ خيانتي؟" قال إدوارد بنبرة باردة وهو يتقدم خطوة نحوها.
"أنا لم أخنك، إدوارد. أنا فقط أقوم بعملي. إذا كنت خائفًا من الحقيقة، فهذه مشكلتك، وليست مشكلتي!" ردت جودي بحدة، وهي تتراجع خطوة إلى الوراء.
لكن إدوارد لم يكن وحده. من الزاوية الأخرى للمتجر، ظهرت ليليان، زوجة إدوارد، مرتدية ثوبًا أسود طويلًا، وفي يدها خنجر صغير يلمع في الضوء الخافت. "لقد كنتِ تهددينني منذ أشهر، جودي. كنتِ تعتقدين أنكِ تستطيعين ابتزازي بسبب علاقتي مع ماركوس؟ لقد أخطأتِ كثيرًا!" قالت ليليان بنبرة مليئة بالغضب.
جودي أدركت الآن أنها وقعت في فخ. لم يكن إدوارد وليليان هنا فقط من أجل الملف، بل كانا يخططان للتخلص منها نهائيًا. لكن ما لم يكن أي منهما يعلمه هو أن ماركوس، وزير العدل، كان في المتجر أيضًا. كان ماركوس قد تعاون مع جودي في الخفاء، لكنه خانها في اللحظة الأخيرة عندما أدرك أن إدوارد وليليان قد اكتشفا أمره.
"جودي، أنا آسف، لكن ليس لديّ خيار!" قال ماركوس وهو يخرج من الظلام، ممسكًا بمسدس يصوّبه نحوها. كانت الصدمة واضحة على وجه جودي. لقد كانت تعتقد أن ماركوس حليفها، لكنه كان مجرد لاعب آخر في هذه اللعبة القذرة
"أنت... أنت خائن!" صرخت جودي، لكن كلماتها قُطعت عندما أطلق ماركوس النار. الرصاصة اخترقت صدرها، وهوت جودي على الأرض، وهي تلهث بحثًا عن الهواء. الدم بدأ يتسرب من جسدها، وهي تنظر إلى الثلاثة الذين وقفوا فوقها
الفصل الخامس: النهاية
ليليان اقتربت من جودي، وهي لا تزال تمسك بالخنجر. "هذا لأجل كل التهديدات التي وجهتِها لي!" قالت، ثم طعنت جودي في قلبها مباشرة. جودي أطلقت أنفاسها الأخيرة، وعيناها مفتوحتان، تحدقان في السقف.
إدوارد نظر إلى ماركوس وقال: "تأكد من أن لا أحد يعثر على هذا الملف. احرقه الآن!" أومأ ماركوس برأسه، وبدأ يجمع الأوراق من مكتب جودي. لكن ليليان كانت تنظر إلى جثة جودي بابتسامة باردة. "لقد حصلتِ على ما تستحقينه، جودي ساوذرن."
بعد ساعات، عُثر على جثة جودي في المتجر من قِبل أحد الجيران الذي سمع صوت الطلقة. الشرطة وصلت إلى مكان الحادث، لكن الأدلة كانت قليلة. إدوارد، ليليان، وماركوس كانوا قد نظفوا المكان جيدًا، ولم يتركوا أي أثر يُدينهم. القضية أُغلقت على أنها جريمة سرقة انتهت بالقتل، لكن الجميع في المدينة كانوا يعلمون أن هناك قصة أكبر وراء مقتل جودي ساوذرن.
في غابة الهمسات، حيث كانت جودي تذهب أحيانًا للاختباء من العالم، يقال إن روحها لا تزال تتجول بين الأشجار. أهل المدينة يهمسون أنها تبحث عن الانتقام من الذين خانوها. وفي كل ليلة خريفية باردة، يُسمع صوت همساتها في الغابة، كأنها تحكي قصتها، قصة الخيانة والغدر التي أودت بحياتها.
Commentaires