قصة مقتل الطفل ربيع: جريمة هزت تونس وكشفت الوجه المظلم للإنسانية

 في مدينة منزل بورقيبة، إحدى مدن ولاية بنزرت التونسية الهادئة، كانت الحياة تسير بهدوء وسلام كما في أي مدينة صغيرة أخرى. الشوارع الضيقة، الأطفال يلعبون أمام البيوت، والجيران يتبادلون التحيات بابتسامات دافئة. لكن في ديسمبر من عام 2010، تحولت هذه الصورة المطمئنة إلى كابوس مروع هز الرأي العام التونسي بأكمله. كانت تلك بداية قصة الطفل ربيع النفاتي، البالغ من العمر 

11 عامًا، الذي أصبح ضحية واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ تونس الحديث



الفصل الأول: الاختفاء الغامض
صباح يوم 24 ديسمبر 2010، بدا كأي يوم عادي في حياة عائلة ربيع النفاتي. كان ربيع، الطفل البريء الذي يدرس في السنة الرابعة الابتدائية، يستعد ليوم دراسي جديد. لكن قبل أن يذهب إلى المدرسة، طلبت منه شقيقته الكبرى أن يقوم بمهمة بسيطة: أعطته دينارًا واحدًا وطلبت منه أن يذهب إلى محل "تاكسيفون" قريب من المنزل لشحن رصيد هاتفها. لم يكن هذا الطلب غريبًا، فقد اعتاد ربيع على القيام بمثل هذه المهام الصغيرة لعائلته. خرج ربيع من المنزل مبتسمًا، وهو يحمل الدينار في يده، واتجه نحو المحل.
بعد عشر دقائق فقط، تلقت شقيقته رسالة تأكيد شحن الرصيد. كل شيء بدا على ما يرام، لكن الدقائق مرت ولم يعد ربيع إلى المنزل. بدأ القلق يتسرب إلى قلب والدته، التي خرجت تبحث عنه في الحي. سألت الجيران، زارت المحل، لكن لا أثر لربيع. كأن الأرض ابتلعته. مرت الساعات، وتحول القلق إلى رعب. أين اختفى ربيع؟
الفصل الثاني: البحث المضني والعثور على الجثة
انتشر خبر اختفاء ربيع كالنار في الهشيم في مدينة منزل بورقيبة. الجميع انضم إلى البحث: الجيران، الأصدقاء، وحتى الغرباء. الشرطة بدأت تحقيقاتها، لكن الأيام مرت دون أي أثر. كان الجميع يتمنون أن يكون ربيع على قيد الحياة، لكن مع مرور الوقت، بدأ الأمل يتلاشى. بعد سبعة أيام من الاختفاء، وبالتحديد في أول أيام يناير 2011، جاء الخبر المدمر.
في ضيعة فلاحية بمنطقة مغراوة الريفية، على بعد حوالي 16 كيلومترًا من منزل بورقيبة، عثر أحد الفلاحين على كيس مشبوه ملقى على الأرض. عندما فتحه، تجمدت الدماء في عروقه. كانت جثة طفل صغير، مشوهة بشكل مروع، مليئة بالطعنات، وملفوفة داخل الكيس. تم التعرف على الجثة لاحقًا: كان ربيع النفاتي. الطفل الذي خرج ليشتري بطاقة شحن لم يعد أبدًا، والآن عاد جثة هامدة، تحمل آثار جريمة بشعة.
الفصل الثالث: التحقيق يكشف المستور
الجريمة هزت الرأي العام في تونس. كيف يمكن لأحد أن يرتكب مثل هذه الفعلة الشنيعة بحق طفل بريء؟ الشرطة في منزل بورقيبة فتحت تحقيقًا موسعًا، لكن القضية ظلت غامضة لأسابيع. لم تكن هناك أدلة واضحة، ولا شهود، ولا حتى دوافع واضحة. لكن نقطة التحول جاءت من مكان غير متوقع: سجن محلي.
سجين سابق يُدعى عبد الستار، كان قد أُطلق سراحه مؤخرًا، تقدم بمعلومات صادمة إلى والد ربيع. أخبره أنه، أثناء وجوده في السجن، سمع من أحد السجناء تفاصيل جريمة قتل طفل صغير. السجين، الذي كان يُدعى الجيلاني، تحدث ببرود عن كيفية قتل الطفل ربيع، وكشف أن القتلة هم من عائلة الطفل نفسه: عمتاه، وصديق إحداهما، وآخرون. عبد الستار، الذي كان يعرف عائلة ربيع، شعر بالواجب ليكشف الحقيقة.
على الفور، تحركت الفرقة العدلية في منزل بورقيبة. تم إلقاء القبض على المشتبه بهم: عمتا ربيع، وزوج إحداهما، وابن زوج العمة، وعراف مغربي كان متواطئًا معهم. التحقيقات كشفت عن دوافع الجريمة البشعة: الانتقام. تبين أن والد ربيع رفض تزويج إحدى أخواته إلى الجيلاني، صديق إحدى العمتين، لأنه كان متزوجًا بالفعل ولم يكن قد أنهى إجراءات طلاقه. هذا الرفض أثار غضب العمة والجيلاني، فقررا الانتقام من العائلة بأبشع طريقة ممكنة: قتل الطفل ربيع.
الفصل الرابع: تفاصيل الجريمة المروعة
الاعترافات التي أدلى بها المتهمون كانت صادمة. في يوم الجريمة، استدرجت العمة ربيع إلى مكان بعيد عن الحي بعد أن أنهى مهمته في محل التاكسيفون. كانت خطتهم جاهزة: العمة، بمساعدة الجيلاني والآخرين، خطفوا الطفل ونقلوه إلى منطقة نائية. هناك، بدأت الجريمة البشعة. لم يكتفوا بقتله فحسب، بل أمعنوا في تشويه جسده الصغير. وفقًا لتقارير الطب الشرعي، تلقى ربيع 37 طعنة في أنحاء جسده، وتم تقطيع أطرافه بطريقة وحشية لا يمكن تصورها. بعد ذلك، وضعوا الجثة في كيس وألقوها في الضيعة الفلاحية، ظنًا منهم أن أحدًا لن يكتشف الجريمة.
لكن الجزء الأكثر إثارة للرعب هو الدافع وراء هذه الوحشية. تبين أن المجموعة كانت تخطط لاستخدام جثة ربيع في طقوس شعوذة، بمساعدة العراف المغربي، بهدف استخراج "كنوز" يعتقدون أنها مدفونة في الأرض. هذا المزيج من الانتقام والخرافات جعل الجريمة أكثر بشاعة، حيث تحول الطفل البريء إلى ضحية لأوهام وأحقاد لم يكن له أي ذنب فيها.
الفصل الخامس: المواجهة العلنية والغضب الشعبي
القضية لم تتوقف عند حدود التحقيقات. في فبراير 2012، ظهر الجيلاني، أحد المتهمين الرئيسيين، في برنامج على قناة "حنبعل" التلفزيونية. كان المشهد مثيرًا للغضب: الجيلاني، الذي كان قد أنكر معرفة مكان ربيع في وقت سابق وأقسم بأغلظ الأيمان أنه بريء، واجه عائلة الطفل على الهواء مباشرة. والد ربيع، الذي كان يغلي من الغضب، واجهه بكلمات نارية، بينما كانت الأم تبكي بحرقة وهي تتذكر ابنها الذي لم يعد. الجمهور التونسي، الذي تابع الحلقة، شعر بمزيج من الصدمة والغضب. كيف يمكن لأقارب الطفل أن يشاركوا في قتله بهذه الوحشية؟
الشارع التونسي انتفض. وسائل الإعلام تناقلت القضية بكثافة، وأصبحت رمزًا للظلم والوحشية التي يمكن أن تصل إليها الإنسانية. الرأي العام طالب بأقصى العقوبات للمتهمين، ولم يكن هناك مجال للتسامح مع مثل هذه الجريمة.
الفصل السادس: المحاكمة والحكم
في فبراير 2015، أصدرت المحكمة الابتدائية ببنزرت حكمًا أوليًا بالإعدام شنقًا ضد القتلة الخمسة: العمتين، الجيلاني، زوج إحدى العمتين، وابن زوج العمة، بالإضافة إلى العراف المغربي. كما قضت المحكمة بتعويض الوالدين بمبلغ 100 ألف دينار لكل منهما، لكن هذا التعويض لم يكن كافيًا لتخفيف الألم. والد ربيع قال في تصريح لإذاعة "شمس أف أم": "لا شيء يعوض فقدان ابني، لكن العدالة يجب أن تأخذ مجراها".
في مارس 2021، أقرت محكمة الاستئناف ببنزرت الحكم الابتدائي، مؤكدة الإعدام للمتهمين الخمسة. كان هذا الحكم بمثابة انتصار رمزي لعائلة ربيع، لكنه لم يمحُ الألم العميق الذي تركته الجريمة في قلوبهم. الأم، التي كانت تتحدث في إحدى المقابلات، قالت وهي تبكي: "ربيع كان عصفورًا صغيرًا، كان يحب الحياة، كيف استطاعوا أن يفعلوا به هذا؟".
الفصل السابع: الدروس المستفادة والتأثير المجتمعي
قضية ربيع لم تكن مجرد جريمة عابرة، بل كانت جرس إنذار للمجتمع التونسي بأكمله. كشفت عن مخاطر الخرافات والشعوذة التي لا تزال تؤثر على بعض الأفراد، حتى في القرن الحادي والعشرين. كما أثارت نقاشًا واسعًا حول العنف الأسري، وكيف يمكن للأقارب أن يتحولوا إلى أعداء بسبب الأحقاد والمصالح الشخصية.
القضية دفعت السلطات التونسية إلى إعادة النظر في قوانين حماية الأطفال. كما أثارت نقاشًا حول عقوبة الإعدام، حيث طالب البعض بتفعيلها في مثل هذه الجرائم البشعة، بينما دعا آخرون إلى إلغائها والتركيز على الوقاية من الجرائم بدلاً من العقاب. على المستوى الاجتماعي، أصبحت قصة ربيع درسًا للآباء والأمهات عن ضرورة مراقبة أطفالهم وحمايتهم، حتى من الأشخاص الذين يفترض أنهم الأقرب إليهم.
الخاتمة
في مدينة منزل بورقيبة، لا يزال اسم ربيع النفاتي يتردد في الأحاديث بمزيج من الحزن والغضب. الطفل الذي خرج ليشتري بطاقة شحن لشقيقته لم يكن يعلم أن تلك المهمة البسيطة ستكون نهاية حياته. جريمته الوحيدة كانت أنه ابن عائلة رفضت الخضوع لرغبات الآخرين. قصة ربيع هي تذكير مؤلم بأن الشر يمكن أن يكمن في أقرب الناس إلينا، وأن البراءة لا تحمي دائمًا من الوحشية.
حتى اليوم، يظل ربيع رمزًا للظلم الذي لا يُنسى. وفي كل مرة يمر أحد سكان منزل بورقيبة بجوار المنطقة التي عُثر فيها على جثته، يتذكر تلك الجريمة البشعة، ويدعو في سره أن تكون هذه القصة الأخيرة من نوعها في تاريخ تونس.

Commentaires