تُعَدُّ السيدة الجليلة عهد بنت عبد الله بن حمد البوسعيدية واحدة من أبرز الشخصيات النسائية في سلطنة عُمان والمنطقة العربية، حيث تحمل لقب "السيدة الأولى" بصفتها زوجة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، سلطان عُمان الحالي. تجمع هذه السيدة بين الأصالة العُمانية والرؤية الحديثة، مما جعلها رمزًا للمرأة العُمانية المثقفة والمؤثرة. يعود نسبها إلى الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، مؤسس الدولة البوسعيدية التي تحكم عُمان منذ منتصف القرن الثامن عشر، مما يضفي على شخصيتها عمقًا تاريخيًا وعائليًا. يهدف هذا التقرير إلى استعراض حياة السيدة الجليلة، نشأتها، تعليمها، دورها العائلي والاجتماعي، وتأثيرها في المجتمع العُماني والعالم العربي، مع تسليط الضوء على إطلالاتها العامة وأهم المبادرات التي ارتبطت بها
وُلدتْ السيدة الجليلة عهد بنت عبد الله في 4 أبريل 1970 في محافظة مسقط، عاصمة سلطنة عُمان، لأسرة عريقة تنتمي إلى آل بوسعيد، الأسرة الحاكمة في البلاد. والدها، السيد عبد الله بن حمد البوسعيدي، شغَل مناصب عليا في الدولة، حيث كان وكيلًا لوزارة العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية، ومحافظًا سابقًا. هذا الارتباط العائلي بالإمام أحمد بن سعيد، الذي أسّس الدولة البوسعيدية عام 1744، يعكس مكانة السيدة الجليلة ضمن النسيج التاريخي والاجتماعي لعُمان.
نشأتْ السيدة عهد في بيئة تجمع بين التقاليد العُمانية الأصيلة والانفتاح على العالم الخارجي، ممّا شكل شخصيتها وأثر في رؤيتها لاحقًا. ترعرعتْ في كنف أسرة اهتمت بالعلم والثقافة، وهو ما انعكس على مسيرتها التعليمية والاجتماعية. تعتبر مسقط، مسقط رأسها، مركزًا حضاريًا وثقافيًا في عُمان، وقد ساهمتْ هذه البيئة في صقل شخصيتها وتعزيز ارتباطها بجذورها الوطنية.
تلقّتْ السيدة الجليلة تعليمها الأساسي والثانوي في مدارس سلطنة عُمان، حيث أظهرتْ شغفًا كبيرًا بالتعلم منذ صغرها. بعد إتمامها المرحلة المدرسية، سعتْ لاستكمال دراستها العليا خارج السلطنة، حيث اختارتْ تخصّص علم الاجتماع، وهو مجال يعكس اهتمامها العميق بفهم المجتمعات الإنسانية وديناميكياتها. هذا الاختيار لم يكن عشوائيًا، بل يُعَبّر عن رؤيتها للعلم كأداة لخدمة المجتمع وتطويره.
خلال دراستها في الخارج، طوّرتْ السيدة عهد مهاراتها في اللغتين العربية والإنجليزية، مما مكّنها من الاطلاع على ثقافات مختلفة والتواصل بفعالية مع العالم الخارجي. بعد عودتها إلى عُمان، واصلتْ شغفها بالقراءة والمطالعة في مجالات متعددة تشمل التاريخ، الثقافة، الأدب، والفنون، مما جعلها شخصية مثقفة ومطّلعة. هذا الجانب من حياتها يبرز التزامها بالتعليم المستمر، وهو ما أثّر لاحقًا في اهتماماتها الاجتماعية والإنسانية.
تزوجتْ السيدة الجليلة عهد من السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، الذي تولى حكم سلطنة عُمان في 11 يناير 2020 خلفًا للسلطان الراحل قابوس بن سعيد. ينتمي السلطان هيثم أيضًا إلى أسرة آل بوسعيد، مما يعزز الروابط العائلية بين الزوجين ضمن هذا الإرث التاريخي. بعد زواجها، كرستْ السيدة عهد حياتها لعائلتها، حيث ركزتْ على تربية أبنائها وتنشئتهم على القيم العُمانية الأصيلة مثل الكرم، الشجاعة، والاحترام.
أنجبتْ السيدة الجليلة من السلطان هيثم أربعة أبناء هم: السيد ذي يزن بن هيثم، الذي يشغل منصب ولي العهد، والسيد بلعرب بن هيثم، والسيدة ثُرَيا بنت هيثم، والسيدة أُمَيْمَة بنت هيثم. تُولي السيدة عهد اهتمامًا خاصًا بتربية أبنائها، حيث حرصتْ على غرس القيم الوطنية والأخلاقية فيهم، مع تعزيز انفتاحهم على العالم الحديث. تعيش العائلة حاليًا في قصر البركة بولاية السيب، وهو أحد القصور الملكية البارزة في عُمان.
على الرغم من أن السيدة الجليلة لم تكن شخصية عامة بشكل مكثف قبل تولي زوجها الحكم، إلا أنها برزت كرمز للمرأة العُمانية بعد عام 2020. تتميز باهتمامها الكبير بالقضايا الاجتماعية والإنسانية، خاصة تلك المتعلقة بالأسرة، التعليم، والبيئة. يعكس تخصصها في علم الاجتماع رؤيتها للمجتمع ككيان ديناميكي يحتاج إلى فهم عميق لتطويره وتحسينه.
من أبرز المبادرات التي ارتبطت بها السيدة الجليلة، رعايتها لفعاليات يوم المرأة العُمانية في 17 أكتوبر 2020، وهو الحدث الذي شهد أول ظهور رسمي لها بصوت وصورة. خلال هذا الحفل، الذي أقيم في قصر البركة العامر، كرّم السلطان هيثم عددًا من النساء العُمانيات البارزات بوسام "الإشادة السلطانية"، وقامت السيدة عهد بتسليم الأوسمة، مما عكس دورها كداعمة لإنجازات المرأة في المجتمع. في خطابها خلال الحفل، أشادت بدور المرأة العُمانية في التنمية الوطنية، مشيرة إلى أن التعليم والتدريب مكّنا النساء من المساهمة بفعالية في بناء الوطن.
كما تُظهر السيدة الجليلة اهتمامًا بالعمل الخيري والإنساني، حيث تسعى لدعم المبادرات التي تعزز جودة الحياة في المجتمع العُماني. تركيزها على التعليم يأتي انسجامًا مع رؤية عُمان 2040، التي تهدف إلى تطوير الموارد البشرية وتعزيز الابتكار لدى الشباب. بالإضافة إلى ذلك، تُعرف بحرصها على الحفاظ على البيئة، وهو جانب يتماشى مع التوجهات الوطنية للسلطنة نحو الاستدامة.
تتميز السيدة الجليلة بإطلالاتها الأنيقة التي تجمع بين التراث العُماني والحداثة. تُفضل ارتداء الزي العُماني التقليدي، المكون من الدشداشة والشيلة، بألوان متنوعة وأقمشة فاخرة تعكس ذوقها الرفيع. كما تحرص على اختيار المجوهرات التي تُضفي لمسة من الفخامة على إطلالاتها، مع دعمها للمصممين العُمانيين لإبراز مواهبهم. هذه الإطلالات لاقت إعجابًا واسعًا من الجمهور العُماني والعربي، حيث أصبحتْ رمزًا للأناقة الممزوجة بالهوية الوطنية.
ظهورها النادر في المناسبات الرسمية، مثل يوم المرأة العُمانية وحفل تدشين مشاريع اجتماعية، يعكس شخصيتها المتواضعة التي تُفَضل العمل بعيدًا عن الأضواء. ومع ذلك، فإن كل ظهور لها يثير تفاعلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يشيد المتابعون ببساطتها ورقيها.
على سبيل المثال، في ذكرى ميلادها في 4 أبريل 2024، تصدر وسم السيدة الجليلة منصات التواصل، مع تمنيات الجمهور لها بالصحة والعمر المديد.
منذ تَوَلّْي السلطان هيثم الحُكْم، أصبحتْ السيدة الجليلة محط أنظار العامة، ليس فقط في عُمان بل في العالم العربي. بعد غياب لقب "السيدة الأولى" عن الساحة العُمانية منذ انفصال السلطان قابوس عن زوجته السيدة نوال عام 1979، عادت السيدة عهد لتُعيد إحياء هذا الدور بأسلوبها الخاص. على عكس بعض قرينات الحكام اللواتي يفضلن الظهور المتكلف، تتميز السيدة الجليلة بالبساطة والتركيز على القضايا الجوهرية.
تُعتبر قدوة للمرأة العُمانية والعربية، حيث تجمع بين دورها كأم وزوجة وشخصية داعمة للمبادرات الاجتماعية. دعمها للمرأة العُمانية، كما ظهر في يوم المرأة العُمانية، يعزز مكانة المرأة في المجتمع، وهو ما يتماشى مع التقدم الذي حققته عُمان في تمكين النساء، حيث حازت السلطنة المرتبة الأولى عربيًا في هذا المجال عام 2018 وفق تقرير مؤسسة المرأة العربية.
على الصعيد العربي، أثارت إطلالاتها وخطاباتها إعجابًا واسعًا، حيث علّقَتْ شخصيات بارزة مثل الفنانة الإماراتية أحلام على ظهورها، مشيدة بأناقتها ودورها. كما أن تركيزها على التعليم والعمل الإنساني يجعلها نموذجًا يُحتذى به في المنطقة.
يُمْكن وصف السيدة الجليلة بأنها شخصية متوازنة تَجمع بين الجذور التقليدية والانفتاح الحديث. شغفها بالعلم، كما يظهر من دراستها لعلم الاجتماع واستمرارها في القراءة، يعكس رؤية فكرية عميقة. في الوقت نفسه، التزامها بتربية أبنائها والحفاظ على القيم العُمانية يبرز جانبها العائلي والوطني.
دورها العام، رغم محدوديته حتى الآن، يحمل إمكانيات كبيرة للتوسع مستقبلًا، خاصة مع تزايد الاهتمام بها. اختيارها للظهور في مناسبات ذات طابع اجتماعي وإنساني، مثل يوم المرأة العُمانية وتدشين مشروع "ريفي" لدعم المرأة الريفية عام 2021، يشير إلى أنها تسعى لترك بصمة ملموسة في المجتمع.
في الختام، تُعَدُّ السيدة الجليلة عهد بنت عبد الله البوسعيدية رمزًا للمرأة العُمانية المعاصرة التي تحمل إرثًا تاريخيًا عريقًا وتسعى للمساهمة في بناء مجتمعها. من خلال تعليمها، أناقتها، ودورها العائلي والاجتماعي، استطاعت أن تكسب احترام ومحبة الشعب العُماني والمتابعين في العالم العربي. مع استمرارها في دعم القضايا الإنسانية والتعليمية، من المتوقع أن يتسع تأثيرها في السنوات القادمة، مما يُعَزز مكانتها كشخصية مؤثرة في تاريخ عُمان الحديث.
Commentaires