الملكة علياء الحسين، المعروفة باسم علياء بهاء الدين طوقان قبل زواجها، هي إحدى الشخصيات البارزة في تاريخ الأردن الحديث. وُلدت في 25 ديسمبر 1948 في القاهرة، وتوفيت في 9 فبراير 1977 في حادث مروحية أثار الكثير من الجدل. كانت الزوجة الثالثة للملك الحسين بن طلال، ملك الأردن الراحل، وأم الأميرة هيا والأمير علي. على الرغم من قصر فترة حياتها، إلا أن الملكة علياء تركت بصمة واضحة في المجتمع الأردني من خلال أعمالها الخيرية ودورها الملكي النشط. في هذا التقرير، سنتناول حياتها العائلية، زواجها من الملك الحسين، دورها كملكة، وأخيرًا وفاتها الغامضة التي أثارت العديد من التساؤلات
حياتها العائلية: نشأة وتعليم
وُلدت علياء بهاء الدين طوقان في القاهرة لعائلة فلسطينية الأصل من مدينة نابلس. كانت ابنة السفير الأردني بهاء الدين طوقان، الذي شغل مناصب دبلوماسية مرموقة، منها سفير الأردن في المملكة المتحدة، إيطاليا، تركيا، ومصر في وقت واحد. كما كان بهاء طوقان أحد المقربين من الملك عبد الله الأول، مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية، وساهم في صياغة الدستور الأردني عام 1952. والدتها، حنان هاشم، كانت ربة منزل وتنحدر من عائلة هاشم المقدسية، وهي ابنة أخ إبراهيم هاشم باشا، أحد الشخصيات السياسية البارزة في المنطقة.
نشأت علياء في بيئة دبلوماسية متميزة، مما سمح لها بالسفر والعيش في عدة مدن عالمية مثل أنقرة، لندن، روما، ونيويورك. تلقت تعليمها في مدارس مرموقة في هذه المدن، ودرست العلوم السياسية وعلم النفس الاجتماعي في كلية هانتر في نيويورك، حيث حصلت على درجة الماجستير في التجارة بتخصص العلاقات العامة. هذه الخلفية التعليمية والثقافية المتنوعة ساهمت في تشكيل شخصيتها المستقلة والمثقفة، وهيأتها لدورها المستقبلي كملكة.
كانت علياء الابنة الوحيدة لوالدها، مما جعلها محط اهتمام خاص من عائلتها. وفقًا لروايات الأميرة هيا، ابنتها، كانت علياء محبوبة جدًا من والدها بهاء الدين طوقان، الذي كان يتحدث عنها بفخر وحب كبيرين. كما أن علاقتها بإخوتها، مثل الدكتور علاء الدين طوقان (مستشار أمراض الجهاز الهضمي) والدكتور عبد الله طوقان (وزير الاتصالات الأسبق)، كانت وثيقة، مما يعكس ترابط عائلتها.
حياتها الزوجية: قصة حب مع الملك الحسين
بدأت قصة علياء مع الملك الحسين بن طلال منذ طفولتها. كان الملك الحسين يقضي عطلاته المدرسية في القاهرة، حيث كان يدرس في كلية فيكتوريا، وكان يزور منزل السفير بهاء الدين طوقان، والد علياء. هناك التقى علياء لأول مرة وهي طفلة، وبدأت بينهما صداقة استمرت على مر السنين. في وقت لاحق، عندما كبرت علياء، تطورت هذه الصداقة إلى علاقة عاطفية.
في عام 1972، تقدم الملك الحسين لطلب يدها، وكان لا يزال متزوجًا من زوجته الثانية، الأميرة منى الحسين (والدة الملك عبد الله الثاني). هذا الزواج أثار ضجة كبيرة في الأردن، حيث كان الملك الحسين قد طلق الأميرة منى قبل ثلاثة أيام فقط من زواجه من علياء، وتحديدًا في 21 ديسمبر 1972. أُقيم حفل الزفاف في 24 ديسمبر 1972 في منزل والد علياء في القاهرة، وكان حفلًا خاصًا لم يحضره أي من أفراد العائلة المالكة الأردنية، مما أثار المزيد من التساؤلات حول طبيعة هذا الزواج.
بعد الزواج، لُقبت علياء بـ"الملكة علياء الحسين"، وأصبحت الزوجة الثالثة للملك الحسين. أنجبت منه طفلين: الأميرة هيا (ولدت في 3 مايو 1974) والأمير علي (ولد في 23 ديسمبر 1975). كما تبنت مع الملك الحسين طفلة فلسطينية تُدعى عبير محيسن، كانت قد فقدت والدتها في حادث تحطم طائرة في مخيم للاجئين قرب مطار عمان.
كانت علاقة علياء بالملك الحسين مليئة بالحب والاحترام المتبادل. وفقًا لروايات الأميرة هيا، كان الملك الحسين يتحدث عن علياء بحب عميق، وكان يعتبرها ليست فقط زوجته، بل صديقته المقربة. هذا الحب انعكس على أطفالهما، حيث ورثت الأميرة هيا من والدتها شخصيتها المحبوبة والمتواضعة، بينما ورث الأمير علي ودّها وتقربه من الناس.
دورها الملكي: ملكة نشطة ومحبوبة
على الرغم من قصر فترة حكمها كملكة (من 1972 إلى 1977)، إلا أن الملكة علياء تركت بصمة واضحة في المجتمع الأردني. كانت أول ملكة أردنية تتولى دورًا عامًا ونشطًا بشكل علني، حيث أسست مكتب الملكة الأردنية وجعلته منصة لدعم المشاريع الاجتماعية والإنسانية. ركزت جهودها بشكل خاص على دعم النساء والأطفال، وكانت تُعرف بحبها للخير والإحسان.
من أبرز إنجازاتها أنها دعت في عام 1974 إلى منح المرأة الأردنية حق التصويت، وهو القانون الذي تم إقراره لاحقًا في نفس العام، مما يعكس رؤيتها التقدمية في دعم حقوق المرأة. كما ترأست اللجنة الوطنية لدعم المعركة خلال حرب 1973، وشاركت في اجتماعات المؤتمر البرلماني النسائي الأفريقي العربي الذي عُقد في القاهرة في 18 مايو 1974. تولت أيضًا الرئاسة الفخرية لنادي خريجي الجامعة الأردنية، وترأست اللجنة الملكية لتأهيل ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في الأردن.
كانت الملكة علياء تُعرف بزياراتها المفاجئة للمستشفيات والمؤسسات الوطنية، حيث كانت تسعى لتحسين مستوى الخدمات ودعم المحتاجين. ركزت بشكل كبير على تعليم الأطفال من الأسر الفقيرة، ودعمت مدارس مثل مدرسة شنلر للأيتام، حيث كانت ترسل أطفال الشوارع لتلقي التعليم هناك. كما وضعت أسس فكرة مهرجان جرش للفنون، الذي كان من المفترض أن يُقام في البتراء، لكنها اختارت جرش لاحقًا بسبب صعوبات النقل. لكنها لم تتمكن من رؤية هذا المشروع يتحقق بسبب وفاتها المبكرة، وأكملته الملكة نور لاحقًا بناءً على طلب الملك الحسين.
كانت علياء ملكة محبوبة من الشعب الأردني بسبب تواضعها وتفانيها في خدمة الآخرين. وفقًا لروايات الأميرة هيا، كان الناس يحبون أبناء علياء حتى قبل أن يعرفوهم، فقط لأنهم أحبوا علياء وتقديرهم لدورها الإنساني.
وفاتها الغامضة: الحادث المأساوي
في 9 فبراير 1977، توفيت الملكة علياء في حادث تحطم مروحية أثناء عودتها من رحلة تفقدية إلى مستشفى الطفيلة في جنوب الأردن. كانت الرحلة تهدف إلى زيارة المناطق النائية لتقديم الدعم والمساعدة، لكن المروحية سقطت في ظروف جوية سيئة، مما أدى إلى مقتل جميع من كانوا على متنها، بما في ذلك الملكة علياء، وزير الصحة محمد البشير، والطيار بدر ظاظا، ومرافقها الخاص محمد الخص.
أُعلن خبر الوفاة في الساعة 17:30 من نفس اليوم، حيث ظهر الملك الحسين على شاشات التلفزيون والإذاعة الأردنية ليعلن وفاة زوجته ويبدأ فترة حداد رسمية استمرت سبعة أيام. بعد يومين، في 11 فبراير، دُفنت الملكة علياء في الأرض المحيطة بقصر الهاشمية، وهو قصر كان قد صُمم خصيصًا لها وانتهى بناؤه قبل وفاتها بثلاثة أشهر فقط. أُطلقت 21 رصاصة تحية في وداعها، ودُفنت بجوار شجرة كانت قد زرعتها بنفسها. حضر جنازتها شخصيات بارزة مثل الرئيس السوري حافظ الأسد، وزير الخارجية الألماني هانز ديتريش، إمبراطورة إيران فرح، الملكة صوفيا ملكة إسبانيا، وجيهان السادات.
كان عام 1977 عامًا مأساويًا للملك الحسين، حيث صادف اليوبيل الفضي لتوليه العرش، لكنه تحول إلى عام حزن بسبب وفاة علياء. أحس الملك بالذنب لسماحه لها بالسفر في ظروف جوية سيئة، وهو شعور عبر عنه لاحقًا. كما أن هذا العام شهد تغيرات سياسية كبيرة، مثل صعود حزب الليكود في إسرائيل، مما زاد من التوترات السياسية في المنطقة.
الجدل حول وفاتها: هل كان الحادث مدبرًا؟
منذ لحظة وقوع الحادث، أثيرت العديد من التساؤلات حول ظروف وفاة الملكة علياء. البعض اعتبر الحادث نتيجة ظروف جوية سيئة، بينما رأى آخرون أنه قد يكون "مدبرًا". هذه الشائعات لم تكن مدعومة بأدلة قاطعة، لكنها استندت إلى عدة عوامل. أولًا، كانت الملكة علياء شخصية محبوبة جدًا، مما جعل البعض يتساءل عما إذا كانت هناك جهات سياسية ربما أرادت التخلص منها. ثانيًا، السياق السياسي المضطرب في المنطقة، بما في ذلك التوترات مع إسرائيل، دفع البعض إلى الاعتقاد بأن الحادث قد يكون جزءًا من مؤامرة أكبر.
ومع ذلك، فإن الرواية الرسمية تؤكد أن الحادث كان نتيجة سوء الأحوال الجوية، وهو ما يدعمه شعور الملك الحسين بالذنب لسماحه لها بالسفر في تلك الظروف. بعض المصادر تشير إلى أن علياء نفسها كانت تشعر بقلق غامض قبل وفاتها، حيث فقدت الكثير من وزنها وكانت تدفع أطفالها إلى حضن جدهم كثيرًا، وكأنها كانت تشعر بأن شيئًا مروعًا سيحدث. الأميرة هيا ذكرت أن جدها بهاء الدين طوقان قال للملك الحسين بعد وفاتها إن "علياء وهبت حياتها له"، وهي عبارة تحمل دلالات عاطفية عميقة.
إرثها وتأثيرها بعد الوفاة
بعد وفاتها، خلّدت الملكة علياء في ذاكرة الأردنيين من خلال العديد من المبادرات التي سُميت باسمها. أُطلق اسمها على مطار الأردن الدولي في عمان (مطار الملكة علياء الدولي)، كما سُمي مركز القلب في مدينة الحسين الطبية باسمها. في عام 1983، أُنشئ مستشفى الملكة علياء العسكري بطاقة استيعابية 170 سريرًا. كما صدر طابع بريدي بصورتها تكريمًا لذكراها.
أطفالها، الأميرة هيا والأمير علي، واصلوا إرثها من خلال أعمالهم الخيرية والاجتماعية. الأميرة هيا، التي تزوجت من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، أصبحت سفيرة للنوايا الحسنة لبرنامج الأغذية العالمي ورسولة سلام للأمم المتحدة. أما الأمير علي، فقد عُرف بتقربه من الناس ودعمه لأخيه الملك عبد الله الثاني.
الخاتمة: ملكة في القلب
الملكة علياء الحسين لم تكن مجرد زوجة ملك، بل كانت رمزًا للعطاء والإنسانية في الأردن. على الرغم من قصر حياتها، إلا أنها تركت إرثًا خالدًا من خلال أعمالها الخيرية ودورها الملكي النشط. وفاتها المأساوية في حادث مروحية أثارت العديد من التساؤلات، لكنها لم تقلل من مكانتها في قلوب الأردنيين. ظلت علياء ملكة في القلب، محبوبة من شعبها، وذكراها مستمرة من خلال أبنائها والمشاريع التي تحمل اسمها. رحم الله الملكة علياء، التي أحبها الجميع وحزنوا عليها حزنًا كبيرًا.
Commentaires