السلاطين العثمانيون كانوا يُولون شهر رمضان اهتمامًا كبيرًا، وليلة 27 رمضان بالذات كانت تُحيَى بأجواء روحانية عالية. كانوا يتبعون تقاليد دينية موروثة تعزز مكانتهم كقادة دينيين وسياسيين.
من صلوات التراويح في المساجد الكبرى مثل آيا صوفيا، إلى موكب القدْر، وتوزيع الصدقات، كانت هذه الليلة فرصةً للسلطان ليظهر التزامه الديني ويُقَوي ارتباطه بشعبه. الأحداث التاريخية مثل معركة شَماَخَة تُظهر أيضًا أن هذه الفترة لم تكن خالية من التحديات العسكرية، حتى في أيام مباركة مثل ليلة القدْر
و من الطقوس المميزة التي كان السلاطين العثمانيون يحيون بها ليلة القدْر ما يُعرف بـ"موكب القدر". كان هذا الموكب يُنَظَّم في ليلة 27 رمضان، حيث يتوجه السلطان برفقة حاشيته إلى المسجد لأداء الصلوات والدعاء. كان الموكب يتضمن العلماء والوزراء وحتى الجنود، وكان يُزَيَّن بالأنوار والزخارف، مما يعكس عظمة الدولة العثمانية. هذا الموكب لم يكن مجرد احتفال ديني، بل كان أيضًا وسيلة لإظهار قوة السلطان وارتباطه بشعبه، حيث كان الشعب يتجمع لمشاهدة هذا الحدث ويشارك في الأدعية.
المؤرخون العثمانيون وغيرهم وثّقوا اهتمام السلاطين بهذه الليلة. على سبيل المثال، يُروى أن السلطان عبد الحميد الثاني، كان يقضي ليلة 27 رمضان في قصر يلدز، حيث يجتمع مع كبار العلماء مثل الشيخ أبو الهدى الصيادي، ويقضون الليلة في تلاوة القرآن والدعاء. كان عبد الحميد يُعرف بتدَيُّنه الشديد، وكان يحرص على أن تكون هذه الليلة فرصة للتقرّب إلى الله ولطلب النصر للدولة العثمانية التي كانت تواجه تحديات كبيرة في تلك الفترة.
كما يذكر المؤرخون أن السلاطين كانوا يستغلون هذه الليلة لإظهار العفو والرحمة. في إحدى الروايات، يُقال إن السلطان مراد الرابع، المعروف بصرامته، أصدر في ليلة 27 رمضان قرارًا بالعفو عن بعض السجناء كجزء من احتفاله بالليلة، وهو ما كان يُعتبر تقليدًا رمزيًا يعكس فضل هذه الليلة
لم يكن الاحتفال بليلة 27 رمضان مقتصرًا على السلطان وحاشيته فقط، بل كان الشعب العثماني يشارك في الاحتفالات بطريقته الخاصة. كانت المساجد تُزَين بالمصابيح، وتُقام حلقات الذكر والدروس الدينية التي يحضرها الناس من مختلف الطبقات. كما كان السلطان يأمر بتوزيع وجبات الإفطار والسحور على الفقراء، وهو تقليد كان يُعرف بـ"الإحسان السلطاني". على سبيل المثال، يُروى أن السلطان بايزيد الثاني كان يُرسل وفودًا إلى الأحياء الفقيرة في إسطنبول لتوزيع الطعام في ليالي العشر الأواخر من رمضان، بما في ذلك ليلة 27.
و على سبيل المثال، كان السلطان محمد الفاتح، الذي فتح القسطنطينية، يحرص على أداء صلاة التراويح في ليلة القدر بمسجد آيا صوفيا، وهي عادة استمر السلاطين من بعده في اتباعها. هذا التقليد يعكس حرصهم على إظهار التدين والارتباط بالشعائر الإسلامية في هذا الشهر الفضيل.
في هذه الليلة، كان السلطان يجتمع مع العلماء والمشايخ في القصر أو في أحد المساجد الكبرى مثل آيا صوفيا أو مسجد السليمانية. كانوا يقيمون حلقات الذكر وقراءة القرآن الكريم، ويستمعون إلى المواعظ التي تتحدث عن فضل ليلة القدر وأهميتها. كما كان السلطان يشارك في توزيع الصدقات على الفقراء، وهو تقليد شائع في رمضان بشكل عام ولكنه يكتسب أهمية خاصة في هذه الليلة. على سبيل المثال، كان السلطان سليمان القانوني يُعرف بحبه للإنفاق في سبيل الله، وفي ليالي رمضان، بما في ذلك ليلة 27، كان يأمر بتوزيع الطعام والمال على الفقراء في إسطنبول.
السلاطين العثمانيون كانوا يُحْيُونَ ليلة 27 رمضان بمزيج من الطقوس الدينية والاجتماعية التي تعكس دورهم كقادة دينيين وسياسيين. من صلوات التراويح في المساجد الكبرى مثل آيا صوفيا، إلى موكب القَدْر، وتوزيع الصدقات، كانت هذه الليلة فرصة للسلطان ليُظهر التزامه الديني ويُقَوي ارتباطه بشعبه. الأحداث التاريخية مثل معركة شماخة تُظهر أيضًا أن هذه الفترة لم تكن خالية من التحديات العسكرية، حتى في أيام مباركة مثل ليلة القدر. هذه الروايات، رغم أهميتها، يجب النظر إليها بعين ناقدة لفهم السياق الكامل لتلك الفترة.
Commentaires