كان الجليل أبو سعيد بهادر خان سلطان العراقين وخراسان، وهو الذي أسلم من ملوك التتر، ولما استقل السلطان أبو سعيد بالملك أراد أن يتزوج ابنة الجوبان، وكان اسمها بغداد خاتون، ويقال عنها كما ورد في رحلة ابن بطوطة «تحفة النظار في غرائب الأمصار»: إنها من أجمل نساء عصرها، وكانت حينذاك متزوجة من الشيخ حسن، وهو ابن عمته، فأمره ليطلقها، وكان له ما تمنى فتزوجها أبو سعيد، يقول عن ذلك ابن بطوطة: «كانت أحظى النساء لديه، والنساء لدى الأتراك والتتر لهن حظ عظيم»؛ إذ كان السلطان إن كتب أمرًا وأرسله يقول في آخره: «عن أمر السلطان والخواتين»، كما كان لكل خاتون الكثير من البلاد والولايات والجبايات العظيمة، وكان لبغداد خاتون لدى أبي سعيد مكانة عظيمة، وفضلها عمن سواها من النساء، وذلك حتى تزوج دلشاد خاتون.
«تزوج أبو سعيد من امرأة تسمى دلشاد، فأحبها حبًا شديدًا،
وهجر بغداد خاتون؛ فغارت لذلك وسمته بمنديل مسحته به بعد الجماع،
فمات وانقرض عقبه» * ابن بطوطة عن مقتل أبي سعيد
في كتاب «الوافي بالوفيات»، يقول صلاح الدين بن أيبك الصفدي، أن بغداد خاتون، ابنة النوين جوبان، من الأسرة الجوبانية، ولما انقلب أبو سعيد على والدها فهرب الأخير، وقتل أبو سعيد شقيقها، اغتصبها من زوجها، وأجبره على تطليقها، وقد كان أبو سعيد يميل إليها ميلًا عظيمًا، وكان والدها في البدء يفهم ذلك، فلا يدعها تقرب مكانًا هو فيه، وعندما تزوجها أبو سعيد صارت لها الكلمة النافذة في جميع الممالك، وتركب في موكبٍ من الخواتين وتشد السيف على وسطها، ومنحها السلطان لقب خواند كار أي «سيدة العالم»، وفي كتاب «العراق في العهد الجلائري»، يُقال إنها تدخلت في شئون الحكم دون أن يقدر أحد على التصدي لها، وكان الوزير يساعدها في تحقيق رغباتها، فكانت هي وراء عزل حاكم هراة الملك غياث الدين كرت، ودبرت مقتل حاكم خراسان وغيره من الأمراء، وذلك انتقامًا من مقتل والدها وأشقائها.
لم تستثن بغداد خاتون أحدًا في مسيرتها نحو الانتقام من قتلة عائلتها، حتى زوجها أبي سعيد، والذي قيل إن أطباءه استشعروا وجود السم في بدنه عقب وفاته، وأن الخاتون هي من دست له السم لما تكنه له من حقد. وكانت وفاة أبي سعيد إيذانًا بانتهاء الدولة الإيلخانية؛ إذ لم يخلف السلطان وراءه من يحمل اسمه لأنه كان مصابًا بالعقم، أما في ذكر مقتل أبي سعيد، يقول ابن بطوطة أنه تزوج من دلشاد خاتون إبنة أخت بغداد خاتون عام 734هـ، وهو الأمر الذي أشعل غيرة ابنة جوبان، فقتلته، ولما عرف الأمراء أن بغداد خاتون هي التي سمته، أجمعوا على قتلها، فأتاها الرومي خواجة لؤلؤ من كبار الأمراء وهي في الحمام، وضربها حتى فقدت النفس، وقد ظلَّ جسدها هناك أيامًا مستور العورة بقطعة تليس – وعاء من الخوص، وبعد وفاتها استقل الشيخ حسن – زوجها السابق بملك العراق، وتزوج دلشاد امرأة السلطان أبي سعيد.
0 commentaires:
Publier un commentaire