لا شك أن هناك علاقة عشق وحب غير مشروط بين معظم البشر والقهوة بمختلف أنواعها وأشكالها؛ فهذا المشروب القوي احتل مكانة كبيرة لا غنى عنها في حياة البشر، حتى إنه تحول إلى إدمان لذيذ
فهي بطلة جميع المناسبات، وفي مصر تعد القهوة الزائر الدائم بداخل كل المآتم؛ فلا يوجد عزاء في مصر إلا ويقدم فيه القهوة وبعض المشروبات الساخنة على مؤدي واجب العزاء
ولكن استخدام القهوة في العزاء والمآتم في مصر ليس أمراً عشوائياً أو مبتدعاً من فترة زمنية قصيرة، بل يعود الأمر في الحقيقة إلى أوائل القرن السادس عشر
فعلى الرغم من أن القهوة لم تكن معروفة بعد لدى المصريين في تلك الحقبة فإن طلاب العلم بداخل الأزهر الشريف لاحظوا أن أقرانهم من المغتربين، وبخاصة القادمين من اليمن، يتناولون مشروباً فائح الرائحة مر المذاق داكن اللون، ويحرصون كل الحرص على شربه في الفترات الزمنية ما قبل الامتحانات والاختبارات، وقبل إقامة الشعائر الدينية
وبعد فترة قصيرة جداً سرعان ما انتشرت القهوة كالنار في الهشيم داخل الأزهر الشريف بين جميع الطلاب؛ فهذا المشروب السحري في هذا الوقت كان يمنح الطلاب طاقة جسمانية كبيرة وقدرات أكبر على التركيز ومقاومة النوم من أجل الدراسة
والحقيقة أن القهوة لم تنتشر داخل الأزهر الشريف فقط، بل أصبح المصريون يتناولون القهوة بكثرة وباستمتاع كبير بمذاقها وفوائدها في عدة مجالات.
وبسبب الضجة غير المتوقعة للمشروب اجتهد أحد الفقهاء وهو الفقيه أحمد عبدالحق السنباطي وأفتى بعدم جواز شرب القهوة بأي صورة كانت وتحت أي ظرف من الظروف.
ولقد استند الفقيه السنباطي في فتواه إلى أن كل ما يعمل على التأثير في العقل فهو حرام، ولقد وجد الكثير من الأئمة أن تلك الفتوى منطقية بالفعل، وتحولت القهوة إلى موضوع خصب لمناقشته في خطب الجمع داخل جميع المساجد المصرية.
وبتأثير الأحاديث التي كانت يتوارد ذكرها في خطب ومواعظ الفقهاء تفاعل الكثير من أبناء الشعب المصري مع الأمر؛ حتى إن هناك أحداث شغب أدت إلى تحطيم المقاهي التي تقدم القهوة، وشهدت قاهرة المعز حالات شغب واشتباكات بسبب القهوة فقط!
ولم يستمر الجدل كثيراً حول القهوة، وهل هي من المحرمات أو لا؛ ففي عام 1572 أصدر العلماء في القاهرة فتوى رسمية ونهائية باعتبار القهوة من المنكرات وبمنع تداولها، ومن يخالف تلك الأوامر فسوف يتم تحطيم المقهى الخاص به وإغلاقه.
ولقد كانت تلك الفتوى سبباً في إفلاس تجار القهوة وبائعيها؛ فحاولوا إقناع الفقيه السنباطي بأنها لا تذهب بالعقل، وليست من المحرمات، ولكن محاولاتهم جميعها لم تنجح في إثناء الشيخ عن رأيه.
ويا للأسف! لم يتوقف الأمور عند هذا الحد فبانصياع الكثير من الأشخاص إلى الفتوى التي تم إصدارها تحول مؤيدو الفقيه إلى ما يشبه المراقبين على المجتمع؛ فلقد بطشوا وضربوا العديد من تجار القهوة وبائعيها حتى وقعت الكارثة، فلقد تم قتل أحد تجار القهوة على يد أتباع الشيخ
وفور تلك الواقعة أسرع الفقيه ومؤيدوه إلى الاحتماء بداخل المسجد خشية بطش التجار بهم ومع تصميم التجار على معاقبة الفقيه وأتباعه حاصر التجار المسجد وأعدوا المكان للاعتصام حتى يخرج الفقيه، وفي أثناء الاعتصام أعد التجار القهوة دون إضافة السكر وقاموا بشربها أمام المسجد تعبيراً عن رفضهم للفتوى ونكاية في الفقيه.
لتصل أخبار حوادث الشغب التي انتشرت في القاهرة بعد ذلك إلى جميع أرجاء مصر لتصل إلى السلطان العثماني الوصي على مصر؛ ليقوم بعدها باحتواء الموقف وإيقاف الفقيه عن العمل واستبدال فقيه آخر جديد به أفتى بجواز وعدم حرمانيه شرب القهوة، ومن هنا ظهرت عادة المصريين بشرب القهوة في أثناء تقديم واجب العزاء التي استمرت حتى يومنا هذا
0 commentaires:
Publier un commentaire